الحلفاء في هرقلة...'بشيرة' حرفية تتمسك بموروث الأجداد وتورثه للأحفاد
لا تزال مدينة هرقلة (شمال سوسة) حاضنة لنشأة وتطور حرفة الحلفاء عبر عقود من الزمن، حرفة دخلت البيوت وأثرت موارد العائلات وصارعت متغيرات العصر.
حرفة إرتبطت بالآباء والأجداد توارثها الأجيال وباتت علامة مضيئة ورمزا لأصالة المدينة التي ما انفكت تمثل قبلة للسياح نظرا لتوفر منتجات ذات طابع تقليدي وتراثي مبتكرة من الحلفاء
قبل 18 عاما بدأت بشيرة كشيش مشوارها في مداعبة ألياف الحلفاء وتحويلها إلى منتجات مختلفة من سلال وقفاف ومظلات وأواني لشتى الاستعمالات وتحف زينة وديكور بأحجام وألوان مختلفة حيث حرصت والدتها رحمها الله على تعليمها فن صناعة الحلفاء مثل بقية أترابها.
تمرست بشيرة مع الأيام هذه الحرفة التي كانت مولعة بها منذ الصغر وجادت أناملها بأفضل ما عندها بعد أن اكتسبت خبرة واعدة، وأبدعت بأفكارها التي سعت إلى تطويرها تماشيا مع العصر ووفقا لمتطلبات الحرفاء.
رافقنا بشيرة إلى ورشتها وسط مدينة هرقلة أين عرضت سلعا تقليدية معدة للبيع .
عكفت إمرأتان وسط الورشة إحداهما ستينية تجيد تمرير أصابعها بين أعواد نبتة الحلفاء برشاقة تعكس مهارتها وبراعتها أما الثانية فتبدو في عقدها الرابع تتقن الغرزة الحلزونية عبر سلاسة تمرير الإبرة التي تخيط أجمل المنتجات التي تأخذ شكلا حلزونيا وقد خلتها لوهلة أنها من إبتكرت هذه التقنية المتطورة.
كان الصمت يخيم على المكان أما حركة الأنامل في دبيب مستمر، لم يبد على محيا الحرفيتين ملل أو ضجر بل بدتا سعيدتين بما تصنعان ولا تعيران أي إهتمام لدقات عقارب الساعة المتسارعة.
تقول بشيرة في حديثها لموزاييك إنها "عملت على تطوير الحرفة وإحيائها من خلال إضفاء لمسات عصرية بعد تلقيها تكوينا في صناعة الحلفاء بالغرزة الحلزونية وتمسكت بنقل تجربتها إلى حرفيات ونسوة بهرقلة أشرفت على تكوينهن".
تحرص بشيرة على نقل مهارتها لبنات مدينتها فيما تحفز أخريات من العاطلات عن العمل لخوض غمار الحرفة وجعلها مورد رزق رغبة منها في ديمومة هذه الحرفة و توريثها لجيل قادم .
لم تخف محدثتنا خوفها بكون أغلب الحرفيات اللواتي ذاع صيتهن بهرقلة إما توفين أو تقدمن في السن فأثر ذلك على حاسة البصر لذلك تحاول أخذ المشعل عنهن وتعمل على تكوين أكبر عدد ممكن من النسوة للمحافظة على هذا الموروث الذي تشتهر به المنطقة.
وفي إطار التطوير نجحت بشيرة كشيش في إنتاج تحف فنية مزجت فيها الحلفاء بالحديد المطوَع والخشب والسيراميك جميعها أعدت للتزيين
إبداع بشيرة سمح لها بالمشاركة في مسابقات والحصول على عدة جوائز وطنية كما تم إختيار منتوجها كأفضل منتوج من ضمن 60 حرفيا في مسابقات انتظمت في ألمانيا وإيطاليا بحصولها على المرتبة الثالثة
تشتكي بشيرة من العقبات التي تواجهها الحرفيات لعل أبرزها غياب الدعم من الدولة وصعوبة الترويج والبيع ما عدا المشاركة في المعارض التي تمثل فضاء لتعزيز التعريف بمنتوجهن.
وأضافت " لقد شهد سعر الزرزة (أي ربطة الحلفاء) ترفيعا مشطا وصل حد 5 دنانير بعد أن كنا نقتنيها بدينار واحد فقط و تعزو هذه الزيادة إلى فقدان نبتة الحلفاء التي يتم جلبها من القصرين والنفيضة والناظور لتشكل بأيادي هرقلية مائة بالمائة "وفق تعبيرها .
وأردفت القول '' لقد إضطررنا إلى إضافة زيادة قدّرتها بالقليلة على سعر منتجاتهن حتى ينتفعن بأرباح تتماشى وتكلفة الإنتاج "
تجربة بشيرة لم تكن بالهينة حيث تعرضت في بداياتها إلى صعوبات وعراقيل قابلتها قلة الموارد المالية لكن إصرارها وتمسكها بموروث والدتها وأجدادها ناهيك عن موهبتها التي برعت فيها دفعت شخصا أصيل هرقلة مقيما بدولة أوروبية إلى تقديم يد العون لها والمساهمة في إنطلاقتها الحقيقية في مجال الصناعات التقليدية .
وتطمح الحرفية بشيرة إلى تصدير منتجاتها داعية سلطات الإشراف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية حتى يتسنى لها وبقية الحرفيات إكتساح أسواق خارجية تفتح لها آفاقا لتطوير حرفتها.
إيناس الهمامي
مونتاج : أشواق ماجري